الفصل الثاني: الأردن
الأردن
مخيم جرش
يستضيف الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، ومعظم هؤلاء، لا جميعهم، يحملون الجنسية الأردنية.
وطبقاً لمعلومات “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (الأونروا)، يعيش ما يزيد عن مليونين من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها الآن في الأردن. يقطن معظمهم في المدن والقرى جنباً إلى جنب مع الأردنيين، بينما يعيش 370,000 منهم في المخيمات. و10 من هذه المخيمات هي مخيمات رسمية، بينما تعتبر ثلاثة أخرى غير رسمية.
يتمتع نحو ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين، الذين يزيد عددهم عن مليوني لاجئ فلسطيني، بالمواطنة الكاملة في الأردن، إذ يحملون الرقم الوطني الذي يسمح لهم بدخول سوق العمل والانتفاع من خدمات الرعاية الصحية والتعليم. بيد أن أقلية لا يستهان بها من اللاجئين، ومعظمهم وفدوا إلى الأردن من قطاع غزة، لا يحملون الجنسية الأردنية على عكس اللاجئين الوافدين من الضفة الغربية. وقد حدّد تعداد وطني رسمي أجرته “دائرة الإحصاءات العامة” الأردنية في 2016 عدد هؤلاء بأنه 634,182. وهم مستثنون من الحقوق والخدمات التي يتمتع بها المواطنون، ويعتبرون من بين أشد المجموعات السكانية فقراً في الأردن.
تعود جذور الفارق في معاملة اللاجئين الفلسطينيين بين الذين انتقلوا إلى الأردن من غزة وأولئك الذين قدموا من الضفة الغربية، إلى تاريخ النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
فعقب حرب 1948 العربية – الإسرائيلية، التي استمرت 10 أشهر، سيطر الجيش المصري على قطاع غزّة، بينما دخل “الجيش العربي” الأردني الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وضم الأردن الضفة الغربية إليه رسمياً في 24 أبريل/نيسان 1950، في خطوة لم تلق اعترافاً يذكر من جانب المجتمع الدولي. وكانت مصدر خلاف كبير في “جامعة الدول العربية”، التي تبنت، في نهاية المطاف، ما اعتبر آنذاك حلاً لحفظ ماء الوجه، وتلخص في العبارة التالية: “دخول الجيوش العربية فلسطين لإنقاذها يجب أن ينظر إليه كتدبير مؤقت خال من كل صفة من صفات الاحتلال والتجزئة لفلسطين وأنه بعد تمام تحريرها تسلم إلى أصحابها ليحكموها كما يريدون “.
ولإضفاء الطابع الرسمي على المناطق والسكان اللذين ألحقا حديثاً بالمملكة، أصدر الأردن في 1954 خلال عهد الملك حسين بن طلال قانوناً للجنسية منح بموجبه الجنسية الأردنية إلى “كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/5/1948، وأقام بانتظام في المملكة الأردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20/12/1948 لغاية 16/2/1954”. وشمل هذا التدبير جميع المقيمين في الضفة الغربية، بمن فيهم اللاجئون الذين نزحوا من القرى والمدن الفلسطينية الأخرى في ما يشكل حالياً إسرائيل. بينما ظلّت غزة والمقيمون فيها تحت الحكم المصري.
أدّت عملية الضم إلى ارتفاع عدد سكان الأردن بأكثر من الضعف، وفتحت أبواب العمل أمام المواطنين الجدد بالتساوي مع المواطنين القدامى في جميع قطاعات الدولة، كما مُنح ممثلوهم المنتخبون نصف مقاعد البرلمان الأردني. بيد أن هذه التطورات لم تفض بشكلٍ مباشر إلى تغييرات في الأوضاع الاقتصادية لجميع اللاجئين الفلسطينيين، إذ ظل العديد منهم يعيشون في المخيمات ويتلقون المعونات من “الأونروا” في مجالي الرعاية الصحية والتعليم.
واستمر الضمّ حتى هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو/حزيران 1967 مع إسرائيل. وكنتيجة للحرب، احتلّ الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. وفرّ حوالي 300،000 لاجئ فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن أثناء النزاع وفي أعقابه.
بعد الحرب، نقلت “منظمة التحرير الفلسطينية”، برئاسة ياسر عرفات، قواعدها إلى الأردن، وراحت تشن عمليات عسكرية من الأردن ضد إسرائيل. ومع تنامي قوة “منظمة التحرير الفلسطينية”، أخذت قيادتها تنتقد ما وصفته بالسياسات التصالحية للملك حسين مع إسرائيل، وتطعن في مطالباته بالضفة الغربية، وكذلك بحكمه للأردن. وانتهت بعض فصائل “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى إطلاق الدعوات لإسقاط النظام الملكي في الأردن. فشنّ الأردن حملة عسكرية ضد “منظمة التحرير الفلسطينية”، وطردها، في يوليو/تموز 1971، من الأردن. أطلق الفلسطينيون على الحملة اسم “أيلول الأسود”، وأدّت إلى انتقال “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى لبنان.
في يوليو/تموز 1988، وبينما كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي في ذروتها، ومع تصاعد الدعم لمنظمة التحرير، أعلن الأردن تخليه عن المطالبة باستعادة الضفة الغربية. كما أعلن الملك حسين عن فكّ الارتباط الإداري والقانوني كلياً مع الضفة الغربية المحتلة، وفسّر قراره بأنه استجابة لرغبات الفلسطينيين في الاستقلال الوطني.
وهكذا، أعيد رسم حدود الأردن لتصبح كما كانت عليه قبل 1948، ولم تعد بنيته السكانية تشمل جميع من يعيشون في الضفة الغربية. احتفظ الأردن بالوصاية على الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس، وانضم إلى “جامعة الدول العربية” في الاعتراف بـ”منظمة التحرير الفلسطينية” باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
وكانت للقرار آثاره الحاسمة بالنسبة إلى نحو 760،000 فلسطيني كانوا يعيشون في الضفة الغربية، حيث كان هؤلاء يشكلون في حينه نسبة 20% من سكان الأردن. إذ ألغى الأردن جنسيتهم ومنحهم، عوضاً عن ذلك، وثائق سفر مؤقتة، بينما احتفظ الفلسطينيون من أهالي الضفة الغربية الذين كانوا يعيشون في الأردن أو يقيمون في بلدان ثالثة بجنسيتهم الأردنية. بيد أن الأردن قام في ما بعد خلال سنوات الـ 2000 بإلغاء الرقم الوطني للآلاف من هؤلاء الأفراد بصورةٍ تعسفية. فألغى تالياً جنسيتهم الأردنية، ومنحهم وثائق سفر مؤقتة ينبغي تجديدها عقب فترة محددة من الزمن، تراوحت عادة ما بين سنتين وخمس سنوات. ولا تستتبع وثائق السفر هذه الحصول على الرقم الوطني، ما يعني أن حامليها لا يستطيعون الانتفاع بمكتسبات الجنسية الأردنية.
من جهتهم، لم يحصل اللاجئون الفلسطينيون الوافدون إلى الأردن من قطاع غزة، أكانوا من أهل القطاع أو من النازحين إليه من ديارهم الواقعة في ما أصبح الآن إسرائيل، على الجنسية الأردنية في أي وقت من الأوقات، وظلوا نتيجة لذلك عديمي الجنسية. وكانوا قد حصلوا على وثائق سفر مصرية أثناء خضوع قطاع غزة للحكم المصري ما بين 1948 و1967، ولكن دون أن يحصلوا على الجنسية المصرية. وعندما فر الآلاف منهم من غزة إلى الأردن عقب حرب 1967، أصدرت السلطات الأردنية وثائق سفر مؤقتة لهم، يتعين عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم تجديدها كل سنتين، وفق إجراء بيروقراطي تشرف عليه وزارة الداخلية، ويخضع لموافقة رئيس الوزراء. ويعيش معظم هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات للاجئين في الأردن.
وبينما تقوم وثائق السفر المؤقتة التي تصرف للاجئين الفلسطينيين من غير حاملي الجنسية مقام بطاقات الهوية، إلا أن عدم تمتعهم بالجنسية يضعهم في وضع غير آمن في الأردن. فهم لا يحصلون على الدعم الاجتماعي الذي يحصل عليه الفقراء. ولا يستفيدون إلا من خدمات التعليم والرعاية الصحية التي توفرها الأونروا. وبينما يستطيعون الالتحاق بالمدارس وبالجامعات، إلا أن ذلك يتم باعتبارهم أجانب، ما يلزمهم بدفع رسوم مضاعفة عما يدفعه حملة الجنسية الأردنية. ولا يحق لهم الاشتراك في التأمين الصحي الذي تديره وزارة الصحّة ويتيح للمواطنين الأردنيين الحصول على المشورة الطبية والعلاج ودخول المستشفيات الحكومية مجاناً أو بكلفة متدنية.
ويحظر على هؤلاء إشغال معظم وظائف القطاع العام، ويحتاجون إلى تصاريح عمل خاصة للحصول على وظائف في القطاع الخاص. ولا يستطيعون العمل في مهن كالمحاماة والمهن الهندسية، نظراً لأن ذلك يتطلب أن يكونوا أعضاء في النقابات الخاصة بهذه المهن، وهي نقابات تقتصر عضويتها على المواطنين. وتتطلب المادة 12 من قانون العمل موافقة وزير العمل أو من يفوضه على توظيف غير الأردنيين. ويعني هذا، في الممارسة العملية، إما أن يكونوا مؤهلين بمجموعة من المهارات لا تتوافر لدى قوة العمل الأردنية أو وجود قطاع يفتقر إلى العدد الكافي من الموظفين الأردنيين.
وحتى وقت قريب، لم يكن بإمكان هؤلاء امتلاك الأراضي أو العقار أو المركبات التي تعمل بالديزل، التي تستخدم بصورة كبيرة في أعمال التجارة والزراعة. إلا أنه، وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، وعقب دعوة أطلقها أعضاء في مجلس النواب الأردني لتخفيف الظروف القاسية التي يعاني منها ما يزيد عن 150،000 لاجئ فلسطيني من غزة، قررت حكومة عمر الرزاز السماح لأرباب العائلات من أفراد هذه الفئة بأن يمتلكوا العقار والأراضي بما لا تزيد مساحته عن فدان واحد لأغراض بناء بيت للعائلة، وبأن يحصلوا على تراخيص لمركبات تعمل بالديزل.
وكانت الحكومة، في 2017، وضمن تدابير اقتصادية أخرى، قد رفعت رسوم إصدار وثائق السفر المؤقتة وتجديدها من 25 إلى 200 دينار أردني (من 35 إلى 282 دولاراً أمريكياً). وللتخفيف من وطأة هذه الارتفاع الهائل في التكلفة، أعادت الحكومة التأكيد على قرار اتخذ في 2016 ويقضي بإعفاء المقيمين الذين يحملون وثائق سفر مؤقتة من دفع رسوم تصاريح العمل.
إن منظمة العفو الدولية تدعو الأردن إلى تعديل الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين الذين لا يحملون الجنسية الأردنية، بمن فيهم من قدموا إلى الأردن من قطاع غزة وذرّيتهم، لضمان توفير حماية أفضل لحقوقهم. فهؤلاء اللاجئون لا يستطيعون الانتقال إلى إسرائيل أو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالنظر إلى رفض السلطات الإسرائيلية التقيد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي يحمي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، بمن فيهم أولئك الذين يقيمون حالياً في الأردن.
وسواء أكان ذلك من خلال التجنيس أو سواه من التدابير، ينبغي على السلطات الأردنية كفالة حقوق هؤلاء اللاجئين في العمل والصحة والتعليم والسكن، على قدم المساواة مع المواطنين الأردنيين.
نشئ مخيم جرش، المعروف رسمياً باسم “مخيم غزة”، على مساحة 0.76 كيلومتر مربع في محافظة جرش، شمال الأردن، في 1968، كتدبير طارئ لاستضافة نحو 11,500 من اللاجئين الفلسطينيين الوافدين من غزة.
وما بين 1968 و1971، استُخدمت الهبات الطارئة التي أشرفت الأونروا على إدارتها لبناء 2,000 ملجأ. ومع مرور الوقت، استبدل العديد من اللاجئين الفلسطينيين هياكل البناء المؤقتة الخاصة بهم وأقاموا مكانها منازل إسمنتية أكثر ثباتاً. ومع ذلك، ما زال العديد من السقوف مصنوعاً من الحديد المموج وألواح الاسبست، الذي يؤدي التعرض له إلى آثار خطيرة على الصحة.
وتشير المعلومات الإحصائية الحالية للأونروا إلى أن عدد اللاجئين المسجلين في “مخيم جرش” يبلغ 29,000 لاجئ. والأغلبية العظمى من هؤلاء هم من الفلسطينيين الذين فروا من غزة إلى الأردن عقب حرب 1967، بعدما كانوا قد اضطروا للنزوح من ديارهم في ما أصبح اليوم إسرائيل، أو من أبناء هؤلاء وأحفادهم. وتمنعهم إسرائيل من العودة للإقامة، سواء في إسرائيل أو في غزة.
وعدد المواطنين الأردنيين من هؤلاء يشكّل فقط 6%. ويحمل حوالي 90% وثائق سفر مؤقتة صالحة لمدة عامين. ويعتمدون على قسائم الطعام والسلل الغذائية التي تقدمها لهم الأونروا، وكذلك على ما توفره لهم من خدمات صحية وتعليمية.
وطبقاً لدراسة نشرت في 2013، اعتبرت الأونروا “مخيم جرش” المخيم الأشد فقراً بين 10 مخيمات للاجئين الفلسطينيين في الأردن، إذ تصنّف 52.7% من سكانه تحت خط الفقر الوطني.
والأونروا هي المصدر الوحيد للرعاية الصحية الأساسية للاجئين الفلسطينيين في المخيم، بما في ذلك الرعاية الطبية لمعالجة أمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم. كما تغطي جزءاً من رسوم المستشفيات في القطاع العام للمقيمين في المخيم ممن لا يحملون الجنسية الأردنية.
كذلك، الأونروا هي الجهة الوحيدة التي تقدم خدمات التعليم لأطفال “مخيم جرش”. حيث تعمل أربع مدارس تابعة للأمم المتحدة في مبنيين اثنين، وفق نظام الدوام بالتناوب. وتكتظ الصفوف الدراسية بالتلاميذ وتفتقر إلى المعدات الكافية. فلا يدخل التعليم العالي إلا 13% من أطفال المخيم.
وتخضع امكانية حصول أهالي “مخيم جرش” من اللاجئين الفلسطينيين على التوظيف لقيود مشدّدة بالنظر إلى عدم كون معظمهم مواطنين أردنيين. ويزيد الطين بلّة وجود المخيم في منطقةٍ نائية، ما يجعل من الصعب على المقيمين فيه الحصول على فرص عمل.