"… وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم … ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات …"
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بشأن الأوضاع في فلسطين، ديسمبر/كانون الأول 1948
يصادف عام 2019 ذكرى مرور 71 عاماً على طرد وتهجير ما يزيد عن 700 ألف فلسطيني من منازلهم وقراهم ومدنهم إبان النزاع الذي دام سنة وتمخَّض عن خلق إسرائيل في عام 1948. ومنذ ذلك الوقت، ظلت "النكبة" الفلسطينية، كما تُعرف باللغة العربية، محفورة في الوعي الجماعي الفلسطيني باعتبارها قصة اغتصاب لا ينتهي.
ويُعدُّ الفلسطينيون من أكثر اللاجئين عدداً في العالم، حيث بلغ عدد المسجَّلين حالياً كلاجئين ما يزيد على 5.2 مليون لاجئ. وتعيش الأغلبية العظمى منهم في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الأغلب على بعد لا يتجاوز 100 كيلومتر عن منازلهم ومدنهم الأصلية. وتقدِّر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تعمل حصرياً في هذه البلدان والأراضي، أن أكثر من 1.5 مليون من أصل ما يربو على 5.1 مليون لاجئ من المسجلين لديها يعيشون في 58 مخيماً للاجئين معترفاً بها، بينما يعيش الباقي في مدن وبلدات. وهناك نحو 100,000 آخرين تشملهم صلاحيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويعيشون في بلدان من قبيل مصر والعراق وليبيا. ويواجه العديد من اللاجئين الفلسطينيين حالة الفقر، ويتعرضون للانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.
إن الفلسطينيين الذين فروَّا أو طُردوا من ديارهم الواقعة فيما يُعرف الآن باسم إسرائيل، بالإضافة إلى ذُريَّتهم الذين تربطهم صلات أصيلة بالمنطقة يملكون الحق في العودة وفقاً للقانون الدولي. بيد أنه، من الناحية الفعلية، ليس هناك من أُفق للسماح لهم بالعودة إلى منازلهم - التي دُمر العديد منها - أو إلى قراهم ومدنهم التي جاءوا منها. فإسرائيل لم تعترف أبداً بحقوقهم. كما لم يحصلوا على أية تعويضات عن خسائرهم، وليس ثمة آفاق للسماح لهم بالعودة إليها.
إن معظمهم محرومون من إمكانية إعادة توطينهم، بما يمكن أن يؤدي إلى تخفيف محنتهم، وخصوصاً في الأماكن التي تكون فيها أوضاعهم محفوفة بالمخاطر كسوريا وقطاع غزة، أو تلك التي يواجهون فيها تمييزاً ممنهجاً كلبنان.
لقد واجه اللاجئون الفلسطينيون على مدى عقود موجات متعددة من النزوح حيث فقدَ بعضهم منازلهم مرات عدة. ففي عام 1967 نزح نحو 300 ألف فلسطيني في أعقاب احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية - الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، أصبح عشرات الآلاف من الأشخاص الآخرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة مشرَّدين من منازلهم، أو هُجروا قسراً مرة أخرى بسبب سياسات إسرائيل العدائية في الاستيلاء على الأراضي وإنشاء المستوطنات غير الشرعية وعمليات هدم المنازل والإخلاء القسري. وأدت الهجمات العسكرية، ولاسيما على قطاع غزة، إلى تفاقم عمليات النزوح ونزع الممتلكات. وفي بلدان أخرى من المنطقة، ومنها الأردن ولبنان وسوريا مؤخراً، أُرغم اللاجئون الفلسطينيون على مغادرة منازلهم نتيجةً للنزاعات المسلحة وغيرها من أعمال العنف.
وهناك ما يزيد على مليوني فلسطيني ممن يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة مسجلون كلاجئين لدى "الأونروا": حوالي 775 ألف منهم في الضفة الغربية، و1.26 مليون في قطاع غزة. وقد أحدث الحصار الإسرائيلي المضروب على قطاع غزة منذ 12 عاماً - إلى جانب إغلاق مصر لمعبر رفح الحدودي وتدمير الأنفاق عبر الحدود - آثاراً ضارة على اللاجئين هناك، حيث أدى إلى شلل الاقتصاد والتسبب بواحد من أعلى معدلات البطالة في العالم، حيث تجاوز 40 في المئة على نحو مستمر. وشهدت النزاعات المسلحة التي نشبت بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية في غزة مقتل وجرح آلاف المدنيين، أغلبيتهم من اللاجئين، نتيجةً للضربات الجوية وعمليات القصف الإسرائيلية. وتعتقد منظمة العفو الدولية أن بعض الهجمات وصل إلى حد جرائم الحرب. وفي الضفة الغربية تشن القوات الإسرائيلية غارات متكررة على مخيمات وتجمعات اللاجئين بهدف اعتقال أو معاقبة السكان جماعياً على الاحتجاجات أو أعمال العنف التي ينفذها عدد قليل منهم. إن استخدام القوة المفرطة وغير المبررة ممارسة شائعة خلال مثل تلك المداهمات، التي كثيراً ما أسفرت عن قتل وجرح العديد من اللاجئين.
وفي لبنان ليس لدى معظم اللاجئين الفلسطينيين من خيار سوى العيش في ظروف الاكتظاظ السكاني والأوضاع المتدهورة في المخيمات و"التجمعات" غير الرسمية - وهي مخيمات غير رسمية تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية. وعلى الرغم من أن معظم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان منذ مدة طويلة وُلدوا هناك وعاشوا هناك طوال حياتهم، فإنهم لا يستطيعون الحصول على جنسية، وربما يظلون بلا جنسية. ويخضع اللاجئون الفلسطينيون لقوانين وأنظمة تنطوي على تمييز ضدهم وتحرمهم من حقهم في حيازة الممتلكات ووراثتها، وتمنعهم من العمل في 39 مهنة، ومنها الطب العام والقانون والهندسة والصيد.
وتضرَّر اللاجئون الفلسطينيون من سوريا بشكل فادح نتيجةً لاستمرار النزاع المسلح ومحدودية الحصول على المساعدات الإنسانية. وبحسب تقديرات "الأونروا"، فإن جميع اللاجئين من سوريا تقريباً، وعددهم 560 ألف لاجئ يطلبون المساعدات. وقد فرَّ حوالي
120 ألف منهم إلى بلدان مجاورة، منها لبنان والأردن - اللذان فرضا قيوداً صارمة على دخولهم - وإلى أوروبا.وقد نزح معظم الذي ظلوا في سوريا عدة مرات، وتضرَّروا من النزاع بشكل غير متناسب، وذلك بسبب قُربهم من مناطق النزاع داخل سوريا وارتفاع معدلات الفقر في صفوفهم.
وفي الأردن يعيش نحو 2.1 مليون لاجئ فلسطيني. ووفقاً لإحصاءات "الأونروا" فإن قرابة 370 ألف لاجئ منهم يعيشون في 10 مخيمات تقع في مختلف أنحاء البلاد، حيث يعيش العديد منهم بمستويات معيشية متدنية، وغالباً في حالة فقر. إن الأغلبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين يتمتعون بحقوق المواطنة الأردنية الكاملة، ونتيجةً لذلك يحصلون على خدمات الرعاية الصحية والتعليم على قدم المساواة مع المواطنين الأردنيين الآخرين. بيد أنه لم يتم تجنيس حوالي 158 ألف لاجئ فلسطيني، ممن فرُّوا إلى الأردن من قطاع غزة عقب النزاع العربي-الإسرائيلي في عام 1967. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قامت السلطات الأردنية بسحب الجنسية الأردنية من آلاف المواطنين من أصل فلسطيني ممن لهم جذور في الضفة الغربية منذ عام 1988. وهؤلاء الفلسطينيون الذين لا يتمتعون بالجنسية الأردنية لا يحصلون إلا على جواز سفر مؤقت قابل للتجديد كل سنتين، ومحرومون من الحق في العمل وحيازة الممتلكات والحصول على الرعاية الصحية والتعليم.
وفي الوقت نفسه، ما فتئت "الأونروا"، التي تقدم الخدمات الأساسية إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين، بما فيها الرعاية الصحية والتعليم ومساعدات الطوارئ والوظائف، تناضل، منذ سنوات، من أجل الحصول على تمويل لعملياتها. ولم يؤدِّ القرار الأخير للإدارة الأمريكية بقطع التمويل عن الوكالة إلا إلى تفاقم الأزمة، الأمر الذي يهدد قدرة الوكالة على تقديم مساعدات الطوارئ.
وبعد مرور سبعين عاماً على طردهم من ديارهم، لا تزال معاناة اللاجئين الفلسطينيين وعمليات نزوحهم تشكلان واقعاً مستمراً. وتدرك منظمة العفو الدولية أن المسؤولية عن هذه المعاناة تتجاوز الدول المضيفة وتضرب جذورها في الهجرة الفلسطينية في عام 1948 وفي حرمان إسرائيل للشعب الفلسطيني من حق العودة. بيد أن الدول المضيفة يجب أن توفر الحماية لحقوق اللاجئين الفلسطينيين الخاضعين لولايتها القضائية وأن تفي بها. ويتعين على هذه الدول إلغاء أو مراجعة جميع القوانين والسياسات التي تنطوي على تمييز ضد اللاجئين الفلسطينيين، واتخاذ خطوات فورية لتحسين الأوضاع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين و"تجمعاتهم" غير الرسمية.